قال تعالى في كتابه الكريم:
"وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا"
[سورة البقرة: 31]
آية قصيرة، لكنها تحمل في طياتها أعظم إعلان عن بداية رحلة الإنسان مع المعرفة. لقد شاء الله أن يميّز آدم –عليه السلام– عن غيره من الخلق، لا بالقوة الجسدية ولا بالهيئة الظاهرة، بل بالعلم، الذي تجلّى أول ما تجلّى في تعلُّم الأسماء.
فسّر العلماء "الأسماء" بأنها أسماء الأشياء كلها: من الجمادات والنباتات والكائنات، إلى المفاهيم المجردة والمشاعر. أي أن آدم تعلّم أصول اللغة والمعرفة، وأُعطي القدرة على التعبير، الوصف، الفهم، والتصنيف.
وهنا يكمن التفوق الإنساني: القدرة على التعلم، والتفكير، والربط، والتسمية.
لأن العقل هو أمانة الإنسان الكبرى، وبه يُكلّف، ويتميّز، ويتقدّم. فلم يكن خلق آدم مجرد وجود جسدي، بل خلق متكامل، تتقدمه منحة العلم والبيان.
وفي هذا إشارة ربانية واضحة إلى أن:
لم تكن "وعلّم آدم الأسماء كلها" مجرد تكريم، بل تكليف ومسؤولية. فمن عرف، وجب عليه أن يعمل، ويعمر، ويطوّر، ويُحسن، ويعبد الله بعقله كما بقلبه. وهذا ما يميز الإنسان في رحلته في الأرض: أن يكون عابدًا عالِمًا، لا مجرد عابد غافل.
إذا كان آدم قد بدأ رحلته بالعلم، فإننا أولى بالاقتداء.
في زمن تتسارع فيه المعارف، وتتشابك فيه المفاهيم، يبقى التعلُّم هو طريق النجاة، والبصيرة، والرُقيّ.
فكلّما تعلمت، كلّما اقتربت أكثر من جوهر الإنسان الذي أراده الله: مخلوقًا عارفًا، واعيًا، كريمًا بالعلم والعمل.
"وعلّم آدم الأسماء كلها" ليست مجرد آية عن الماضي، بل نداء دائم للحاضر والمستقبل:
تعلّم، اقرأ، فكر، وارتقِ... فإنك خُلقْت لتعرف